-A +A
عبده خال
دائماً ننسى مقولة «الوقاية خيرٌ من العلاج»، وكوني أعيش وفق قاعدة (خليها تمشي)، ارتعبت من فحصوات زائدة عما ألفت، وجدت أن تلك القاعدة تتهاوى كثيراً، أمام تطور العلم، الذي يصل دائماً إلى الحلول الطبية الناجعة.

وحقيقة حينما تابعت جهود وزارة الصحة في الكشف المبكر عن سرطان القولون والمستقيم في المملكة، ونجاحها في كشف المرض مبكراً قبل أن يصل إلى مراحل متأخرة لدى العديد من الحالات المصابة، فالوقاية تعني الرعاية الأوّلية والحماية قبل الوقوع فريسةً لهذا المرض الذي يعد أحد أكثر أنواع السرطانات انتشاراً عالمياً، وثاني الأنواع انتشاراً في المملكة وفقاً لإحصاءات السجل الوطني السعودي للأورام، الصادر من المجلس الصحي السعودي.


ولأن المعروف عن هذا النوع من السرطانات قدرته على النمو ببطء شديد خلال سنوات عديدة قبل التسبب في ظهور أي أعرض، تبرز أهمية المبادرة بعمل فحوصات الكشف المبكر عن هذا المرض، وتحقيق نتائج علاجية أكثر فعالية في حالة الإصابة به لا قدر الله.

إننا محظوظون بالعيش في كنف قيادة رشيدة أولت اهتماماً مستمراً وحرصاً كبيراً على بناء منظومة صحية متكاملة في المملكة، وجعلها ضمن الأكثر تطوراً وحداثةً في العالم. كما نلمس جميعاً آثار الخطط والمبادرات المتعددة التي تنفذها وزارة الصحة، وتساهم في الارتقاء بخدمات الرعاية الصحية وتعزيز جودة حياة سكان المملكة.

واليوم، يُمثل نموذج الرعاية الصحية الحديث في السعودية، ركيزةً أساسية في التحوُّل الصحي، فهو نموذج لتقديم خدمات الرعاية الصحية المتكاملة لجميع المواطنين والمقيمين في المملكة بأعلى مستويات الجودة والكفاءة، وبما يتماشى مع أهداف رؤية السعودية 2030.

وأعتقد أن هذا الجهد يُجسّد هذا النموذج مفهوم «الشمولية» من حيث الوقاية من الأمراض، ويحافظ على صحة الأفراد من خلال اتخاذ نهج وقائي بدلاً من اتخاذ نهج علاجي فقط في تقديم الخدمات الصحية. ويعمل نموذج الرعاية الحديث وفق ستة أنظمة رعاية متكاملة؛ منها نظام الرعاية الوقائية، حيث تعمل هذه الأنظمة على تقليل حدوث المرض من خلال التدابير الوقائية، واستعادة الحالة الصحية للفرد بعد حدوث المرض.

وهنا يجب أن نُشيد بتطبيق وزارة الصحة لهذا النموذج الرائد ضمن عشرين تجمعاً صحيّاً بالمملكة، لتعزيز كافة مستويات الرعاية الصحية التي يتطلبها المجتمع، وتحسين الاستجابة لاحتياجات السكان الصحية. وذلك بما يتضمن انتشار مراكز الرعاية الصحية الأوليّة في مختلف أحياء المملكة التي تضم أطباء متخصصين، وتقدّم خدمات فحوصات وقائية بشكل مجاني لكافة المواطنين والمقيمين، تشمل فحوصات القولون والثدي والسكري.

ويتضمن نموذج الرعاية الحديث مسارات وقائية لتقديم الرعاية الصحية بأعلى مستويات الجودة، تشمل مسارات السكتة الدماغية، والجلطات القلبية، والإصابات البليغة، وفحص سرطان الثدي، وفحص سرطان القولون والمستقيم، والرعاية التلطيفية، وفحص السكري، وفحص السمنة، وارتفاع ضغط الدم، وأخيراً مسار اضطرابات الدهون في الدم.

وفي رأيي، فإن ما تقوم به وزارة الصحة من جهود مستمرة لتعزيز الوعي بأهمية الفحص الوقائي للعديد من الأمراض، خاصة سرطان القولون والمستقيم، يساهم بشكل كبير في خفض معدلات الإصابة بهذه الأمراض، ورفع فاعلية علاجها، وتقليل معدلات انتشارها.

وإذا تساءلتم عن كيفية الاستفادة من خدمات الفحص المبكر لهذا النوع من السرطانات الأكثر انتشاراً في المملكة وغيره من الفحوصات المحددة، فالأمر في غاية البساطة، وذلك عبر التوجه مباشرةً لأحد مراكز الرعاية الصحية الأولية الأقرب إليكم، أو التقديم من خلال تطبيق «صحتي» لحجز المواعيد المناسبة للفحص.

ويجب أن نتذكر دوماً أن السرطان لم يعُد مرضاً مخيفاً، فمع الفحوصات الوقائية والكشف المبكر والممارسات العلاجية المتقدمة ترتفع نسب الشفاء التام، بإذن الله. إننا لا نملك أغلى من صحتنا، والحفاظ عليها ورعايتها مسؤولية شخصية يجب أن نتحمّلها بكل جدية.

حقّاً علينا أن لا نتهاون بمقولة «الوقاية خيرٌ من العلاج»، فهي المفتاح السري لحياة ماتعة بعيدة عن المخاطر الصحية.